لم تكن مجرد ثلاث نقاط في ليلة الجمعة المعتدلة على ملعب “فيا ديل ماري”، لم يكن فوز ميلان على مضيفه ليتشي مجرد نتيجة روتينية في الجولة الثانية من الموسم، بل كان بمثابة إعلان صريح عن الشخصية والقدرة على النهوض بعد كبوة مؤلمة. بعد السقوط المفاجئ والمذل على أرضهم أمام الصاعد حديثاً كريمونيزي في افتتاحية الموسم ، دخل فريق المدرب ماسيميليانو أليغري المباراة وهو يرزح تحت ضغط هائل، حيث كانت كل الأنظار مسلطة على ردة فعله. وقد جاء الرد حاسماً ومنضبطاً، حيث ميلان يحقق الفوز على ليتشي 2-0 في الدوري الايطالي، ليس فقط بالنتيجة، بل بأداء تكتيكي مدروس حمل بصمات مدربه المحنك ورسم ملامح مرحلة جديدة قد تكون الحل لأزمات الموسم الماضي.
ميلان يحقق الفوز على ليتشي 2-0 في الدوري الايطالي بتغيير تكتيكي حاسم
بدأت المباراة التي أقيمت يوم الجمعة 29 أغسطس 2025، على أرضية ملعب “فيا ديل ماري” الخاص بنادي ليتشي، بوتيرة حذرة من كلا الفريقين. أظهر ميلان صبراً واضحاً، محاولاً فرض سيطرته على وسط الميدان دون اندفاع غير محسوب، وهو ما أدى إلى شوط أول متوازن انتهى بالتعادل السلبي. لكن خلف هذا الهدوء الظاهري، كان الروسونيري يبني ضغطاً متواصلاً، ظهر جلياً في هيمنته على الاستحواذ الذي وصل إلى 55% مع نهاية اللقاء وتسديد 14 كرة نحو المرمى.
زادت حدة التوتر مع إلغاء هدفين لميلان خلال المباراة، الأول برأسية من ماتيو غابيا بداعي وجود خطأ، والثاني للمهاجم سانتياغو خيمينيز بداعي التسلل. هذه القرارات كانت كفيلة بإحباط أي فريق، لكنها بدت وكأنها زادت من إصرار لاعبي ميلان على كسر صمود دفاع ليتشي. كان الفوز بمثابة عملية منهجية لتفكيك الخصم، حيث استمر الضغط حتى ظهرت الثغرات في الثلث الأخير من المباراة. لم تكن الأهداف المتأخرة وليدة صدفة أو صحوة مفاجئة، بل كانت النتيجة الحتمية لسيطرة تامة وصبر استراتيجي أثمر عن أول ثلاث نقاط ثمينة في الموسم.
⏱️ نهاية المباراة | ليتشي ⚪ 0-2 ميلان
⚽ لوفتوس-شيك 66′⚽ بوليسيتش 86′
ميلان يُفرض سيطرته على ليتشي! ❤️✅
أول فوز لـ “الروسونيري” في الدوري الإيطالي هذا الموسم!
لوكا مودريتش صانع أول تمريرة حاسمة له مع ناديه الجديد. #ميلان #الدوري_الإيطالي pic.twitter.com/BNzMjL8Vpw— Newspoots (@newspootsfoot) August 29, 2025
أبرز نقاط التحول وأداء اللاعبين: كيف حُسمت المباراة؟
لم يكن الانتصار وليد أداء فردي خارق، بل نتاج منظومة عمل جماعية برزت فيها عدة نقاط تحول حاسمة وأداء لافت من لاعبين محددين:
- هدف لوفتوس-تشيك يكسر الجمود: في الدقيقة 66، وبعد شوطين من المحاولات، نجح لاعب الوسط الإنجليزي روبن لوفتوس-تشيك في ترجمة سيطرة فريقه إلى هدف أول. ارتقى اللاعب عالياً لكرة عرضية متقنة وحولها برأسه إلى الشباك، كاسراً بذلك جدار الصمود الذي بناه فريق ليتشي. لم يكن الهدف مهماً فقط لتقدم ميلان، بل لأنه جاء من تمريرة حاسمة قدمها الوافد الجديد لوكا مودريتش، في أول مساهمة تهديفية مباشرة له مع النادي، مما أثبت تأثيره الفوري على الفريق.
- بوليسيتش يؤمن النقاط من مقاعد البدلاء: أظهر أليغري عمق الخيارات المتاحة لديه عندما دفع باللاعب الأمريكي كريستيان بوليسيتش كبديل. وفي الدقيقة 86، استغل بوليسيتش هفوة دفاعية فادحة من لاعبي ليتشي ليجد نفسه في مواجهة المرمى ويسدد كرة قوية سكنت الشباك، مسجلاً هدفه الأول في الدوري هذا الموسم ومؤمناً النقاط الثلاث بشكل كامل. هذا الهدف لم يقتل المباراة فحسب، بل أرسل رسالة قوية بأن دكة بدلاء ميلان قادرة على تغيير مجريات اللعب.
- تألق سايليمايكيرس في دور غير متوقع: في ظل غياب بعض العناصر الهجومية الأساسية، لعب البلجيكي أليكسيس سايليمايكيرس دوراً تكتيكياً مركباً كمهاجم ثانٍ. وقد نال إشادة واسعة على أدائه، حيث وصفته تقارير صحفية بأنه أفضل لاعبي ميلان في المباراة بتقييم 7 من 10. لم يقتصر دوره على الجانب الهجومي، بل كان يعود باستمرار لمساندة الظهير بيرفيس إستوبينان دفاعياً، كما نفذ الركلة الحرة التي سبقت الهدف الأول، ليقدم أداءً تكتيكياً ناضجاً أثبت قيمته الكبيرة للمدرب أليغري.
- صلابة دفاعية بشباك نظيفة: الأهم من الهدفين، كان خروج ميلان بشباك نظيفة لأول مرة هذا الموسم. بعد أن اهتزت شباكه مرتين أمام كريمونيزي، بدا الدفاع أكثر تنظيماً وثقة، حيث لم يسمح للاعبي ليتشي سوى بتسديدتين فقط على المرمى طوال 90 دقيقة. هذا النجاح الدفاعي كان الركيزة الأساسية التي بُني عليها الفوز، وأكد نجاعة التغييرات التكتيكية التي أجراها أليغري.
الإحصائية | ليتشي | ميلان |
الاستحواذ (%) | 45 | 55 |
التسديدات (على المرمى) | 6 (2) | 14 (7) |
التمريرات | 301 | 362 |
الركنيات | 4 | 5 |
الأخطاء المرتكبة | 11 | 8 |
البطاقات الصفراء | 1 | 0 |
تحليل حصري: بصمة أليغري ومودريتش ترسم ملامح ميلان الجديد
خلف النتيجة والأحداث الظاهرة، كانت هناك معركة تكتيكية أعمق كشفت عن استراتيجية أليغري الجديدة وردود أفعاله على أزمة البداية، بالإضافة إلى لمسات فنية غيرت شكل الفريق.
ثورة الـ 3-5-2: هل هو حل أليغري لأزمة الثقة الدفاعية؟
كان القرار الأكثر جرأة الذي اتخذه أليغري هو التخلي عن خططه السابقة والتحول إلى رسم تكتيكي جديد بـ 3-5-2. هذا التغيير لم يكن عشوائياً، بل كان رد فعل مباشر على الهشاشة الدفاعية التي ظهرت في المباراة الافتتاحية. بوجود ثلاثة قلوب دفاع (توموري، غابيا، بافلوفيتش)، أمّن أليغري عمق الملعب، مما منح الفريق قاعدة صلبة. هذا التحول التكتيكي، الذي يمثل خروجاً عن النهج المعتاد الذي حللناه في
[مقال سابق عن تكتيكات ميلان]، أتى بثماره فوراً.
أكد أليغري بنفسه في تصريحاته بعد المباراة أن الهدف من هذا التغيير كان “تغطية الملعب بشكل أفضل وتحقيق توازن أكبر”، مضيفاً أن الفريق بحاجة إلى “إيجاد الثقة من خلال الحفاظ على نظافة الشباك”. لكن الفائدة لم تكن دفاعية بحتة؛ فالأمان الذي وفره ثلاثي الدفاع حرر لاعبي خط الوسط الخمسة للسيطرة على الكرة وفرض إيقاع اللعب دون الخوف من الهجمات المرتدة التي عانى منها الفريق سابقاً. وبهذا، كان التحول الدفاعي هو نفسه المفتاح الذي أطلق العنان لهيمنة ميلان في وسط الميدان.
لمسة المايسترو: كيف غيّر لوكا مودريتش ديناميكية وسط ميلان؟
قد تكون مساهمة لوكا مودريتش الرسمية هي تمريرة حاسمة واحدة ، لكن تأثيره الحقيقي على المباراة كان أعمق بكثير. منذ اللحظة الأولى، أظهر النجم الكرواتي المخضرم ما يسمى بـ”قوة الجذب التكتيكية”. إن سمعته وقدرته الفائقة على التحكم في نسق اللعب أجبرت لاعبي وسط ليتشي على البقاء قريبين منه ومحاولة عزله، مما خلق بشكل طبيعي مساحات في مناطق أخرى من الملعب.
هذا التركيز الدفاعي على مودريتش كان أحد الأسباب الرئيسية التي سمحت للاعب مثل روبن لوفتوس-تشيك، المعروف بقدرته على التسلل إلى منطقة الجزاء، بإيجاد المساحة اللازمة للارتقاء وتسجيل الهدف الأول. تأثير مودريتش لم يكن فقط بما يفعله بالكرة، بل بما يجبر الخصم على فعله عندما لا تكون الكرة معه. لقد أضاف بعداً استراتيجياً لوسط ميلان، محولاً إياه من مجرد مجموعة لاعبين إلى وحدة متكاملة يقودها “مايسترو” حقيقي.
رسائل مبطنة في المؤتمر الصحفي: هل هناك صدع بين أليغري والإدارة؟
على الرغم من الفوز المريح والأداء التكتيكي المنضبط، حمل المؤتمر الصحفي لأليغري بعد المباراة مفاجآت كشفت عن توتر محتمل خلف الكواليس. فعندما سُئل عن كيفية دمج الوافد الجديد كريستوفر نكونكو، الذي كلف النادي 37 مليون يورو، في خططه، كان رده غريباً ومثيراً للدهشة: “لا أعرف كيف سأتمكن من استخدامه”.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أضاف أنه “لم يرغب في معرفة” تفاصيل الصفقات المحتملة الأخرى مثل انتقال يونس موسى أو صفقة تبادل خيمينيز، لأنه أراد التركيز على المباراة. هذه التصريحات، التي تأتي بعد تأكيده قبل المباراة أن “النادي يفكر في السوق، وعملي مختلف” ، لا يمكن اعتبارها مجرد محاولة لتخفيف الضغط. إنها تبدو كرسالة علنية، قد تشير إلى عدم رضاه عن سياسة الانتقالات أو وجود فجوة في التواصل بينه وبين الإدارة الرياضية. بينما حقق الفريق وحدة تكتيكية على أرض الملعب، قد تكون هناك تحديات استراتيجية أكبر تلوح في الأفق.
انتصار للبناء عليه، لكن التحديات الحقيقية لم تأتِ بعد
في النهاية، ميلان يحقق الفوز على ليتشي 2-0 في الدوري الايطالي ليس فقط لحصد ثلاث نقاط، بل لإرسال رسالة بأنه قادر على تصحيح المسار تحت الضغط. الفوز رفع رصيد الفريق إلى 3 نقاط، ليقفز إلى المركز السابع في جدول الترتيب مؤقتاً، وهو ما يمثل بداية للتعافي بعد صدمة الجولة الأولى. لقد كان انتصاراً للشخصية، للتكتيك، وللصبر. أثبت أليغري قدرته على تشخيص المشاكل وإيجاد حلول سريعة، وأظهر اللاعبون الجدد مثل مودريتش قدرتهم على إحداث الفارق.
لكن الطريق لا يزال طويلاً، والتحديات الحقيقية لم تأتِ بعد. هذا الفوز أظهر قدرة ميلان على التكيف والمرونة التكتيكية، لكن هل كان مؤشراً حقيقياً على إمكاناتهم، أم مجرد فوز ضروري على خصم أضعف نسبياً؟ وهل يمكن لنظام 3-5-2 أن يصمد أمام فرق القمة مثل إنتر ويوفنتوس؟ شاركنا برأيك في التعليقات.